هل فقد حكماء فتح بوصلتهم واستاذيتهم
كانت مدرستنا الثانوية تعج بالافكار والتنظيمات الفلسطينية، وفي أحد المناسبات دعى أحد الفصائل إلى ترك صفوف الدرس والاعتصام في ساحة المدرسة، مما سبب ربكة وتخوف عند مدير المدرسة من إحتمال حدوث عنف أو إخلال في الحياة المدرسية في ذلك اليوم، فما كان منه إلا أن أتصل بصلاح خلف- أبو إياد- الذي حضر على الفور وخاطب الجماهير الطلابية العلمانية والشيوعية والاسلامية والبعثية بخطاب هدء الروع وأعاد النظام واشبع الرغبة الوطنية عند الجميع مما أنهى اليوم بسلام.
ولكن ما الذي يحدث لفتح أو لنقول لاستراتيجيي فتح اليوم؟ هل تحول المعلم الفتحاوي إلى طالب يحتاج التوجيه والتعليم؟
المتابع لما يحدث يلاحظ تغيرا في طريقة خطاب فتح ومعالجتها للمشاكل والافكار:
*خطاب مفكري فتح يظهر به الغموض وعدم الثقة والارتباك والخوف من مواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة، فالمتابع يفهم أن حماس لديها أرضية فكرية إسلامية صلبة وواضحة تعرضها بكل ثقة دون تردد، بينما يظهر أن مفكري فتح أفكارهم غامضة وكأنهم يخافون طرحها علانية وبوضوح.
*مفكري فتح لم يستغلوا فكرة أن الخلاف بين فتح وحماس هو لصالح فتح، إذ أن طروحات حماس الفكرية والعملية وصلت الان فقط إلى مستوى طرح فتح التقليدي، وأن ما تمر به حماس الان هو إعادة لما مرت به فتح منذ فترة طويلة، فحماس-كفتح- تؤمن بالمقاومة، فالمقاومة – بريادة فتح- هي سبب كل مكتسباتنا الحالية بما فيها إنتخاب حكومة حماس، وأيضا حماس تؤمن –كما فتح- بالمرحلية وصراع الكر والفر، وأن الصراع الفكري والسياسي لازم وليس أهون أو أقل صعوبة من الصراع العسكري أو أقل تضحية، فالمؤمن كيس فطن، فالعملية الاستشهادية صراع والصاروخ صراع والمفاوضات والتحالفات صراع والمرحلية صراع، والازم إتقان أدوات الصراع هذه كلها، ولعله غاب عن مفكري فتح أن عموم الشعب الفلسطيني يعي ذلك ويؤيده ويقدره.
*مع أن الطرح الفتحاوي أحكم وأعلم ومبني على خبرة ودراية، إلا أن فتح لم تحسن نقل الرسالة وإظهارها والدفاع عنها والتواصل وكسب الجماهير لجهتها، فالعيب ليس بالرسالة ولكن بناقلها، ومن ضعف النقل غياب الوجوه الجديدة والمقتدرة الهادئة اللاعسكرية واللاأمنية والتي تحاضر وتعرض-وليس بالضرورة تناقش- وتدعى إلى الندوات والمحاضرات الجامعية، وتعرض بهدؤ وطمأنة، ولا تُعْلم فقط بل تُعَلم وتثقف، كما كان رواد فتح وكما تفعل قيادات حماس الان، نستطيع إن نلحظ بسهولة كيف الشاب "أسامة حمدان" يخاطب الناس كمعلم وموضح وموسع للافق ومنبه وكيف أن متحدثي فتح يغلب عليهم الدفاع والضبابية بعض الشيء.
نريد رجال فتح المحاضرين والمنظرين والمعلمين والواثقين واسعي الافق محولي لحظات الضعف والارتباك إلى ساعات من الانتصار والامل وراسمي معالم الطريق معلمي الناس كيف ينهضون من الكبوات، باعثي الثقة والامل بدل اليأس والقنوط.
لماذا مثلا لا يخرق نبيل شعث أو غيره الصمت الفتحاوي ويؤصل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بكافة جوانبه وتعقيداته وإرتباطاته الفلسطينية والعربية والاسلامية والدولية أبعادا وافاقا ومراحلا وبدائلا وتطلعات، لماذا لا تحول فتح النقاش إلى المباديء والافكار والقدرات بدل مضيعة الجهد بالحديث عن قضايا فساد وإعتقال هذا وذاك أو مؤتمر هنا أو هناك.
*مع تاريخ فتح العريق وانطلاقتها الفذة ورموزها الكبار ومكتسباتها وتضحياتها وصراعاتها التي خاضتها مقاومة ومحاورة، لا يتقن مفكري فتح إظهار ذلك وإستغلاله والبناء عليه وعرضه، والاعجب أن عموم الشعب الفلسطيني يعلم ذلك ويقدره بشكل عظيم، ويحفظ لها هذا العمل الجبار، فماذا علمت التجربة فتح وماذا أستفادت من الكثير الذي قدمته وتخبره؟ أين رجالات فتح التي تنظر إلى التاريخ فتعرضه وتعرض دورها فيه ليس كمتفرج سلبي بل كصانع وفاعل ومؤثر، ثم تبني عليه النظرة إلى الواقع وملامح المستقبل.
*إن لفتح قدرات صراع دولية وعربية أكبر من حماس، فحماس تشد بقسوة فإن دعتها الضروف للمناوشة السياسية غالبا ستكسر، أما فتح تشد بلين وحكمة وقدرتها على المناوشة والمناورة أوسع وأكبر وليست معرضة لضروف الكسر.
نتمنى في المرحلة القادمة أن يتغير خطاب فتح وتعود إليها ريادتها، فإنا نذوب لذلك الماضي حنينا.
والحياة كل الحياة والنصر كل النصر لشعبنا الفلسطيني.
ماهر محمد أمين
كانت مدرستنا الثانوية تعج بالافكار والتنظيمات الفلسطينية، وفي أحد المناسبات دعى أحد الفصائل إلى ترك صفوف الدرس والاعتصام في ساحة المدرسة، مما سبب ربكة وتخوف عند مدير المدرسة من إحتمال حدوث عنف أو إخلال في الحياة المدرسية في ذلك اليوم، فما كان منه إلا أن أتصل بصلاح خلف- أبو إياد- الذي حضر على الفور وخاطب الجماهير الطلابية العلمانية والشيوعية والاسلامية والبعثية بخطاب هدء الروع وأعاد النظام واشبع الرغبة الوطنية عند الجميع مما أنهى اليوم بسلام.
ولكن ما الذي يحدث لفتح أو لنقول لاستراتيجيي فتح اليوم؟ هل تحول المعلم الفتحاوي إلى طالب يحتاج التوجيه والتعليم؟
المتابع لما يحدث يلاحظ تغيرا في طريقة خطاب فتح ومعالجتها للمشاكل والافكار:
*خطاب مفكري فتح يظهر به الغموض وعدم الثقة والارتباك والخوف من مواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة، فالمتابع يفهم أن حماس لديها أرضية فكرية إسلامية صلبة وواضحة تعرضها بكل ثقة دون تردد، بينما يظهر أن مفكري فتح أفكارهم غامضة وكأنهم يخافون طرحها علانية وبوضوح.
*مفكري فتح لم يستغلوا فكرة أن الخلاف بين فتح وحماس هو لصالح فتح، إذ أن طروحات حماس الفكرية والعملية وصلت الان فقط إلى مستوى طرح فتح التقليدي، وأن ما تمر به حماس الان هو إعادة لما مرت به فتح منذ فترة طويلة، فحماس-كفتح- تؤمن بالمقاومة، فالمقاومة – بريادة فتح- هي سبب كل مكتسباتنا الحالية بما فيها إنتخاب حكومة حماس، وأيضا حماس تؤمن –كما فتح- بالمرحلية وصراع الكر والفر، وأن الصراع الفكري والسياسي لازم وليس أهون أو أقل صعوبة من الصراع العسكري أو أقل تضحية، فالمؤمن كيس فطن، فالعملية الاستشهادية صراع والصاروخ صراع والمفاوضات والتحالفات صراع والمرحلية صراع، والازم إتقان أدوات الصراع هذه كلها، ولعله غاب عن مفكري فتح أن عموم الشعب الفلسطيني يعي ذلك ويؤيده ويقدره.
*مع أن الطرح الفتحاوي أحكم وأعلم ومبني على خبرة ودراية، إلا أن فتح لم تحسن نقل الرسالة وإظهارها والدفاع عنها والتواصل وكسب الجماهير لجهتها، فالعيب ليس بالرسالة ولكن بناقلها، ومن ضعف النقل غياب الوجوه الجديدة والمقتدرة الهادئة اللاعسكرية واللاأمنية والتي تحاضر وتعرض-وليس بالضرورة تناقش- وتدعى إلى الندوات والمحاضرات الجامعية، وتعرض بهدؤ وطمأنة، ولا تُعْلم فقط بل تُعَلم وتثقف، كما كان رواد فتح وكما تفعل قيادات حماس الان، نستطيع إن نلحظ بسهولة كيف الشاب "أسامة حمدان" يخاطب الناس كمعلم وموضح وموسع للافق ومنبه وكيف أن متحدثي فتح يغلب عليهم الدفاع والضبابية بعض الشيء.
نريد رجال فتح المحاضرين والمنظرين والمعلمين والواثقين واسعي الافق محولي لحظات الضعف والارتباك إلى ساعات من الانتصار والامل وراسمي معالم الطريق معلمي الناس كيف ينهضون من الكبوات، باعثي الثقة والامل بدل اليأس والقنوط.
لماذا مثلا لا يخرق نبيل شعث أو غيره الصمت الفتحاوي ويؤصل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بكافة جوانبه وتعقيداته وإرتباطاته الفلسطينية والعربية والاسلامية والدولية أبعادا وافاقا ومراحلا وبدائلا وتطلعات، لماذا لا تحول فتح النقاش إلى المباديء والافكار والقدرات بدل مضيعة الجهد بالحديث عن قضايا فساد وإعتقال هذا وذاك أو مؤتمر هنا أو هناك.
*مع تاريخ فتح العريق وانطلاقتها الفذة ورموزها الكبار ومكتسباتها وتضحياتها وصراعاتها التي خاضتها مقاومة ومحاورة، لا يتقن مفكري فتح إظهار ذلك وإستغلاله والبناء عليه وعرضه، والاعجب أن عموم الشعب الفلسطيني يعلم ذلك ويقدره بشكل عظيم، ويحفظ لها هذا العمل الجبار، فماذا علمت التجربة فتح وماذا أستفادت من الكثير الذي قدمته وتخبره؟ أين رجالات فتح التي تنظر إلى التاريخ فتعرضه وتعرض دورها فيه ليس كمتفرج سلبي بل كصانع وفاعل ومؤثر، ثم تبني عليه النظرة إلى الواقع وملامح المستقبل.
*إن لفتح قدرات صراع دولية وعربية أكبر من حماس، فحماس تشد بقسوة فإن دعتها الضروف للمناوشة السياسية غالبا ستكسر، أما فتح تشد بلين وحكمة وقدرتها على المناوشة والمناورة أوسع وأكبر وليست معرضة لضروف الكسر.
نتمنى في المرحلة القادمة أن يتغير خطاب فتح وتعود إليها ريادتها، فإنا نذوب لذلك الماضي حنينا.
والحياة كل الحياة والنصر كل النصر لشعبنا الفلسطيني.
ماهر محمد أمين
No comments:
Post a Comment